دوريات وبطولاتمباريات اليوميلا شوتيلا كورة

FilGoal | أخبار | عجوز ولكن الذخيرة قبل السلاح.. كيف يستفيد الأهلي من أنتوني موديست

بنهاية موسم 2021-2022 في الدوري الألماني تصدر روبرت ليفاندوفسكي ترتيب الهدافين مع بايرن ميونيخ بـ 35 هدفا، وتلاه باتريك شيك في موسمه الأفضل مع باير ليفركوزن بـ 24 هدفا، وفي المركز الثالث أتى إرلينج هالاند مع بوروسيا دورتموند بـ 22 هدفا في 24 مباراة فقط بفعل الإصابات.. بعد هذا الثلاثي جاء اسم أنتوني موديست مهاجم كولن البالغ من العمر 34 عاما في ذلك الوقت، برصيد 20 هدفا.

كيف؟ هو ليس بجودة روبرت ليفاندوفسكي ولا يملك منظومة بايرن ميونيخ كلها وراءه، وبالطبع هو ليس بجودة هالاند ولا بعنفوانه، فالأخير أصغر منه بـ 12 عاما في جميع الأحوال، كيف وصل موديست إلى هذا الحد؟

أولا لننظر سريعا إلى نقاط قوته وضعفه التي يلخصها موقع “هوسكورد”، ستجده قويا للغاية في الرأسيات، ومميزا في الإنهاء والصراعات القوية، بينما يسلط المصدر ذاته الضوء على معاناته مع الوعي بالتسلل والتمرير والإسهام الدفاعي، وبسهولة شديدة سنضيف عليها عمره المتقدم البالغ 35 عاما، ولكن السؤال يبقى كما هو: كيف فعل ذلك قبل عام واحد فقط من الشكوى الحالية بخصوص عمره؟

لنلقي نظرة على تحليل ديفيد سيمور عبر Total Football Analysis في منتصف موسمه الخرافي 2021-2022، في محاولة للتعرف على الإجابة.

“سر نجاح موديست الأول هو عدم تعقيد ما يفعله”. تعبير غريب للغاية في زمن بات فيه كل شيء يخص كرة القدم معقدا ومدروسا للغاية، ولكنه الأدق.. “في زمن يندر فيه رؤية (المهاجم المحطة – Target Man) التقليدي، فإن هذا ما ينفذه بمثالية”.

بحسب التحليل ذاته، ينوع موديست تحركه وقت الاستحواذ لتوفير خيار للتمرير سواء في المنتصف مباشرة أو في أنصاف المساحات، مع نزعة طفيفة للتحرك على الجانب الأيسر، وفي الوقت ذاته وكما تظهر الخريطة الحرارية أدناه، فإنه لا يبدو وكأنه يغادر منطقة الجزاء كثيرا في حقيقة الأمر..

بصورة عامة يستمر موديست في موقع متقدم، عادة مع آخر رجل في الدفاع، ولعل هذا ما خلق عيب “الوعي بالتسلل” لدى “هوسكورد”، وهو ليس محض افتراء بالمناسبة، فبنهاية موسم 2021-2022 كان قد وقع في التسلل 36 مرة كأكثر لاعب في الدوري الألماني بأكمله، بفارق 9 مرات عن أقرب ملاحقيه.

ولكن مما شوهد في موسمه قبل الأخير بالدوري الألماني، نجده يغير نمط تحركه للأمام حين تنشأ العملية الهجومية، حيث ينزل لربط اللعب، ولا يجد صعوبة كبيرة في الاحتفاظ بالكرة نظرا لجسده البالغ من الطول 190 سم، وفي الوقت ذاته يمكنه إرسال لمسة واحدة إذا كان اللعب بحاجة لسرعة التحريك، ومباشرة بعد تلك اللمسة يعاود الاندفاع للأمام لتوسيع الرقعة.

وبالطبع تسهل نفس المزايا الجسدية عملية استغلال الرقابة لصالحه، إذ يمكنه استقبال الكرات الطويلة وتحريكها بالرأس مباشرة، أو تسلمها على صدره تمهيدا للمسة تالية بالقدم لجناح منطلق على أي من الجانبين، الأمر الذي سيكون مفيدا في اختراق التكتلات وفي التحولات السريعة على حد سواء، ويوفر خيارا إضافيا لم يسبق لمنظومة كولر امتلاكه.

طوال ذلك الوقت لا يمانع موديست المشاركة في مختلف مراحل العملية الهجومية على مقربة من زملائه، حتى تصل الكرة إلى الطرف وتصبح عرضية محتملة، هنا يبدأ العرض.. فيتبعد الفرنسي فورا عن الكرة، ويبطئ زحفه إلى داخل المنطقة حتى يصنع لنفسه فرصة الانطلاقة المتأخرة التي يفضلها إلى داخل المنطقة، مما يمنحه الفرصة للتفاعل مع العرضية القادمة في غفلة من الدفاع، وأحيانا طلبها بشكل مباشر.. بذلك يضمن موديست أفضليتين: الأولى هي تحديد القائم الذي سيتجه إليه لضرب الرأسية، والثانية هي الزخم المتصاعد الذي لا يملكه المدافع المرتكز بالفعل.

(الصورة من Total Football Analysis)

هذه التحركات لا تخدم فقط أن يسجل موديست هدفا باسمه، فهو يجيد خلق المساحات للآخرين أيضا، وهو ما يخلق له نفسه فرص أفضل أيضا، ففي المثال الموضح بالصورة التالية، تجد تحركه الرأسي المباشر يؤدي الغرضين: أولا يمنع المدافع الأقرب من مواصلة الضغط على حامل الكرة، وثانيا يمنح لنفسه فرصة الحصول على البينية من ورائه.

(الصورة من Total Football Analysis)

على مستوى التحركات، فإن موديست ليس محطة تقليدية 100%، فهو يملك ما يكفي من السرعة لاستغلال المساحات الناتجة عن الارتداد، وهو يشكل تهديدا مزعجا للغاية إن غقل الدفاع عنه أو لم يكن منظما بما فيه الكفاية، ولكن بالطبع وإن احتفظ بهذه الميزة بين عاميه الـ 33 والـ 34 لبعض الوقت، فإن استمرارها بين الـ 35 والـ 36 ليس مضمونا، وبالتالي مع الأهلي سيضطر للاعتماد على ذكاء التحرك والمزايا الجسدية أكثر من السرعة في تلك المواقف.

نعود الآن إلى المرحلة التي يكون فيها الأكثر فتكا: العرضيات. هنا يتميز اللاعب ذهنيا في استغلاله لمميزاته البدنية، فهو يعرف متى وكيف يهاجم الكرة في الهواء، ويمنح هذا ثقة مطلقة لزملائه باختيار معركة الهواء رغم أن الأرض دائما أسهل، ففي المثال التالي تجد كرة سيلعبها أغلب الأجنحة على الأرض، ولكنها انتهت بهدف رأسي.

(الصورة من Total Football Analysis)

للتوضيح، سجل أنتوني موديست 20 هدفا في الدوري الألماني لموسم 2021-2022، نصفهم بالتمام والكمال (10) من رأسيات. منذ بداية إحصائيات أوبتا، لم يسجل أي مهاجم أكثر من ذلك في موسم واحد للبوندسليجا سوى يان كولر (202 سم) في 2004-2005 مع بوروسيا دورتموند، وتخطاه بهدف وحيد.

الصراعات البدنية لا تمنعه عن توجيه الكرة بدقة في الهواء، ناهيك عن الفوز بها أصلا، فهو يجيد إخراج المدافع المنافس من اللعبة بالقوة وبدون مخالفات، مكتسبا أفضلية مبكرة في الفوز بالكرة القادمة من السماء، ورغم وفرة تلك المميزات إلا أن الصراع ليس حله الوحيد، وهنا تكمن المتعة.. موديست أحيانا يختار خصمه قبل بداية اللعبة من الأساس، متجها إلى مدافع أضعف يعرف أنه سيفوز ضده بمعركة الحضور البدني، وهذا ما يحدث حين يبتعد قليلا عن العمق ويذهب للقائم الأبعد قبل إطلاق العرضية مجبرا الظهير على مراقبته، وبالطبع النتيجة محسومة قبل أن يقفز الرجلان معا.

والسؤال الآن: كيف يستفيد الأهلي من تلك الإمكانيات ويضمن لنفسه زيادة فرص النجاح؟

“أعتقد أن زملائي قد تعلموا أن الأمور تصبح صعبة إذا لم يلعبوا تجاه مهاجمهم. لقد منحوني المزيد من الإمداد اليوم، وحين تحصل على الخدمة يصبح الأمر سهلا”.

– أنتوني موديست بعد مباراة لعب فيها دورتموند 23 عرضية

طوال الوقت كنا نتحدث عن المميزات، وتسليط الضوء على مميزات لاعب ما يجعله يبدو منيعا، ولكن منذ متى كانت الأمور بتلك البساطة؟ لا يمكن إلقاء نجاح العملية بالكامل على مميزاته، فهو كان يملكها حين سجل 25 هدفا في الدوري الألماني خلال موسم 2016-2017، وكان يملكها حين سجل 7 أهداف فقط مع بوخوم قبلها بموسمين، وبالطبع لم يفقدها حين سجل 4 أهداف فقط في 2019-2020، أليس كذلك؟

يصل سيمور في ختام تحليله إلى النتيجة التالية: “موديست لم يعد إعادة اختراع طريقة لعبه.. كل ما حدث أنه يلعب لفريق يفهم نقاط قوته كمهاجم، وجعل أغلب طريقته الهجومية تتمحور حول تلك النقاط، فلن يفاجئك أن تعرف أن كولن يملك أعلى معدل عرضيات في الدوري الألماني، وفقط مانشستر سيتي وليفربول كانا يسبقانه بجميع الدوريات الخمس الكبرى في تلك المرحلة من الموسم”.

بينما لم يعهد الأهلي مع كولر فكرة اللعب لأجل لاعب واحد أو تمحور اللعب حوله، فإنه يملك قدرا من التمويل اللازم لمميزات موديست..

على مستوى صناعة اللعب ووفقا لأرقام الموسم الماضي من الدوري المصري عبر “فوت موب”، نجد أن علي معلول يحتل المركز الثالث على مستوى صناعة الفرص بـ 64 فرصة، بمعدل 2.7 في الـ 90 دقيقة، ويأتي أفشة خامسا بـ 57 فرصة، وبمعدل أعلى هو 2.9، ومن ورائهما يأتي حسين الشحات في المركز السادس والعشرين برصيد 31 فرصة، ولكن بمعدل 2.2 كل 90 دقيقة.

من الوراء أيضا يمكن تغذية اللاعب بالكرات الطويلة، فالأهلي يملك ثاني أكثر اللاعبين إرسالا للكرات الطويلة الصحيحة في الدوري، وهو مروان عطية بمعدل 7 في المباراة وبنسبة دقة تصل إلى 70.4%. بعده يأتي محمود متولي وعمرو السولية، ولكن الإصابات فعلت بهما ما فعلت بالآونة الأخيرة.

وبما أن أرقام العرضيات لا يسهل الوقوف عليها كاملة في الدوري المصري بالوسائل المتاحة، وبما أنها لن تشكل الكثير من الفارق، نظرا لأن احتساب العرضية الصحيحة لا يتوقف فقط على توجيه مرسلها، بل تسلم متلقيها، وبما أننا نعرف أن الأهلي لم يكن يملك متلقيا واحدا يملك الكفاءة اللازمة للتعامل مع الكرات العالية تحت الرقابة والضغط سوى قلوب الدفاع حين يتقدمون في الكرات الثابتة، فإننا ننتظر نقلة نوعية على مستوى الكفاءة بهذا الصدد.

ليس فقط لأن كفاءة الحلول المتاحة ستحظى بما يزيدها جودة واضحة سواء تحسنت هي فعليا أو لا، بل لأن الأهلي كان بالفعل قد اشترى الذخيرة قبل السلاح.. لنسترجع معا ما لاحظناه حين تعاقد الأهلي مع الجناح المغربي رضا سليم:

21 ركلة جزاء سددها رضا سليم مع الجيش الملكي المغربي. 19 منها سكنت الشباك. الرجل لم يهدر سوى ركلتين، وهذه ليست المشكلة الوحيدة، فهو يجيد لعب كل أشكال الكرات الثابتة، بما يشمل الركنيات والركلات الحرة.

بكلمات أخرى، ليست أجنحة الأهلي فقط هي المهددة بانضمام المغربي إلى المنافسة، بل يمتد الخطر ليشمل الظهير الأيسر علي معلول، الذي قد يشهد اقتطاع جزء لا بأس به من صلاحياته داخل الملعب.

مراقبة رضا سليم على الخط ستكون عملا مزعجا للغاية بالنسبة للظهير المكلف بهذه المهمة، لأن الأمر لا يتوقف عند الركلات الثابتة فقط.

(خريطة رضا سليم الحرارية في مباريات كأس الكونفدرالية الإفريقية – سوفا سكور)

أسد الأطلس الرابض على الخط يمكنه أن يشكل الإزعاج بكل الطرق الممكنة قبل أن يصل إلى منطقة الجزاء، فهو يملك سرعة كبيرة تمكنه من التفوق في السباقات الفردية بدون كرة أو وراء الكرة.

وإن نجح المُراقِب في تفادي مواقف السباق أصلا بانتظاره في نقطة متأخرة تمنعه من الاندفاع للأمام، سيكون على بقية زملائه ضمان عدم انسلال المهاجم من بينهم إلى أي نقطة خطيرة محتملة، فرضا سليم لا يمانع إرسال العرضية من أي موقع بمحاذاة الخط.

باختصار: مهاجم متحرك يجيد الرأسيات + رضا سليم على الخط = كابوس مطلق لخطوط الدفاع.

راجع هذه الأوصاف مرة أخرى، وتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو التحمت هذه الثنائية الجديدة كما كنا نتخيلها قبل حتى أن نعرف هوية المهاجم الجديد.. ليبقى السؤال الوحيد والأخير: عمره 35 عاما، كم سيصمد من الوقت؟ ربما لعام آخر، ربما لن يكمل العام الثاني، ربما.. ولكن الآن صار لديك عام بأكمله لتبحث عن البديل وتدبر الميزانية اللازمة، عوضا عن المزيد من الانتظار غير مضمون النتيجة.. أوراق لعبة المستقبل بين يدي إدارة الأهلي، أما اليوم، فإن آخر ورقة كانت تنقص كولر قد اقتربت كثيرا من يديه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى